جريمتهن قهوة

كان يا مكان, في يوم ما, قررت فتيات علي منصة تويتر إصدار هاشتاق تحت مسمى #تجمع_بنات_تويتر و كان الهدف هو اللقاء في مدينة بنغازي لغرض التعارف و التواصل خارج العالم الافتراضي بحكم ان الكثيرات استطعن تكوين صداقات جميلة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. أخذ الهاشتاق مجرى مختلف و أطلق بعض المستخدمين من الذكور تويتات مفادها السخرية من اللقاء و التقليل من شأن الفتيات. توسع الهاشتاق بشكل كبير حتى جاء يوم اللقاء و هنا كانت الكارثة, شرطة الآداب تحوم مكان اللقاء و قد كان مقهى معروف و عائلي وسط المدينة و قامت بإغلاقه و إخراج الفتيات و أخذ العاملين في المقهى إلى التحقيق. سؤال يطرح نفسه: ما هو العمل المخل بالأداب الذي جعل وزارة الداخلية تستنفر و تقوم بتفعيل خطتهم الامنية "الخارقة"؟ في حين ان هناك أفعال مخلة بالأداب تباح في كل مكان و لكن من الواضح أن الخطة الأمنية غير مفعلة عليهم. أين القانون لمعاقبة المجرمين و الخاطفين و الميليشيات الذين عثوا في الأرض فسادا و أصبحت هذه الميليشيات هي الأمر الناهي في ظل وجود حكومات كثيرة و لله الحمد.

الأمر المستفز في القصة هو رؤية ما آلت اليه الأمور في ليبيا و كمية التخلف و الجهل المتفشي كالوباء في عقول الكثير حتي اصبح لقاء فتيات في مقهى لشرب القهوة و الحديث و تبادل الأفكار أمر مخل بالآداب و فعل منحل. هل هناك من يدافع و يرد إعتبار هؤلاء الفتيات قانونيا؟ هل الإعتذار الذي قدمته قناة 218 يكفي لرد اعتبارهن؟ في حين أن ليبيا منهارة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و هناك مشاكل أكبر من النظر في أمر بديهي يحدث في كل مكان حول العالم (شرب القهوة). كان من الممكن النظر إلى مشكلة السلاح المنتشر؟ او مشكلة الاقتصاد و التعليم المنهار؟ او مثلا مشكلة الميليشيات؟ أين الدستور و هل سيتم تفعيله و تطبيقه؟ أين الإنتخابات المؤجلة؟ هل وصلنا الي هذه المرحلة المتقدمة من الجهل و التخلف؟ هل سنري خروج المرأة لعمل ما هو بديهى أمر يعاقب عليه القانون؟ إلي متي سنبقى علي هذه الحالة المزرية؟  "باللغة العامية: كلنا نعرفوا مفيش قانون في ليبيا و القتل و الخطف و التعدي علي الغير بدي من النشاطات اليومية بش يرفه الميليشي علي روحه بسلامته لما يطبق".

 القهوة أصبحت جرم علي المرأة و تدل علي الفسق و الفجور و الإنحلال الأخلاقي. نعم جريمتهن قهوة! هذه الأفعال ما هي الا دليل جديد على النظرة الدونية للمرأة في المجتمع و أنها مازالت عورة و مشكلة داخل المجتمع الليبي من الصعب حلها. الكثير مازال يري المرأة كعبء و انها يجب أن تظل ضمن الصورة النمطية المفروضة منذ عصر الجاهلية و هو العصر الموجود حاليا داخل ليبيا الحبيبة. 

للأسف لا أملك أي اجابات لهذه الأسئلة و لا أظن بأن أحدا يملك إجابات وافية و مقنعة. وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت مساوئ المجتمع الليبي و المشاكل النفسية و الفكرية التي يعاني منها علي الملأ. لا يوجد أي شئ يدعوا للفخر بهكذا أفعال و هذا دليل اخر علي إنهيار المجتمع علي جميع الأصعدة. نعم ما زال هناك الكثير من اللذين يحاولون نقل صورة إيجابية عن ليبيا و الكثير من صناع التغيير يعملون لإحداث تغيير أفضل في حين أن هناك وحوش علي الارض تقوم بقتل و تدمير كل ما هو جميل, فعال, و ايضا "طبيعي". أظن بأن فئة كبيرة من المجتمع الليبي أصبحت تشكل خطرا جسيما علي البشرية.